أخبار

مقابل عبوة غاز.. من مقاتل بـ “الحر” إلى عنصر بـ “النظامي”

 

تعد حرب التهجير، أحد أكثر الملفات التي بعثرت الجميع والجموع في سوريا، فالقرارات التي كانت تصنف بأنها مصيرية، تم اتخاذها ما بين ليلة وضحاها، ولعل غياب الإدارة السليمة لمثل هذه الجولات الحربية، زاد من نسبة الضرائب التي تحملها صاحب القرار.

“وليد”، إنسان سوري، شارك في الثورة السلمية منذ أيامها الأولى في غوطة دمشق الغربية، لم يكن يلتفت للوراء، وكانت حنجرته تسابق خطواته نحو الظفر بالحرية التي يناضل لأجلها، ولكن سلمية الثورة لم تدم لأكثر من أشهر، بفعل القمع المركز والعشوائي من قبل النظام السوري ضد المدنيين العزل، فما كان من “وليد” إلا الانتقال مع الثورة من مرحلتها السلمية إلى المسلحة، فانحسر حجم التظاهرات تدريجياً، لكن أغاني الثورة بقيت علاجاً مؤقتا يواسي الأوجاع.

وليد، مواطن سوري من العامة، يحمل الشهادة الجامعية، لم يحمل سلاح من قبل، ولكنه بعد إرتكاب العديد من الانتهاكات الصارخة بحق ابناء مدينته الصغيرة، قرر وزوجته بيع ما يملكونه من الذهب، بهدف شراء بندقية كلاشينكوف، يدافع فيها عن منزله وأسرته، ومع اشتداد الحملات العسكرية لم يستطع البقاء في المنزل، فخرج إلى الجبهات ليساند بقية ابناء مدنيته الذين كانوا قلة قليلة، ومع انتقال الأعمال العسكرية إلى أروقة الدعم المقدم لها عبر التبرعات أو الدعم الدولي، تابع “وليد” مسيرته في الكفاح نحو الحرية، فقاتل وحوصر وتعرض للجوع مع عائلته وابناء مدينته.

فحاول مع مرور السنوات، المصابرة على أوجاعه، فمثله العشرات بل المئات من الحالات المشابهة، ولكن الحصار اشتد، والفرقة اتسعت أبوابها بين التشكيلات، وتاه الحلم، لتدحل الثورة في مدينته منحى آخر، كان عنوانه العريض “الهدنة”، فتوقفت الأعمال العسكرية والقصف الجوي والمدفعي، ولكن سلاسل الحصار اشتدت أكثر، فندر الطعام، أما الكهرباء فباتت من المنسيات، وتدهورت الأحوال بمجملها.

كان “وليد” يحلم بالحرية وبناء سوريا، مهد الحضارات، ولكن الوقائع عاكست تماماً تلك الأحلام، وبعد الهدنة التي استمرت لعامين إلا قليل، لم يعتقد الشاب السوري، بأن نهاية التهدئة ستحمل في جعبتها التهجير، بل كانت ثقته بإن حلاً دولياً ما سيدخل حيز التنفيذ، وسينال مع زملائه وبقية المدن الثائرة ما قدموا لأجله أغلى ما يملكون.

وخلال أيام لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، دارات مناقشات بين وفد يمثل مدينته، وبين القوات الروسية التي دخلت أواخر عام 2015 لمساندة النظام السوري، اجتماعات حضرتها القوى العسكرية للأسد التي كانت تفتك بهم بالمدافع والطائرات، ولا زالت تقتلهم بالحصار والتجويع، لم يكن “وليد” يتوقع بأن نهاية هذا الكفاح سيكون الترحيل إلى الشمال السوري، ولكن هذا ما أبلغتهم به لجنة التفاوض، وأن الراغبون بالرحيل عليهم تدوين اسمائهم، ومن لا يملك الرغبة فليبقى جليس منزله، ويختار مصيره وعائلته الذي يناسبه.

وليد- قرر بعد مشاورات مع زوجته البقاء في منزلهما الصغير، وبانه لن يترك مدينته ويخرج بهذه الحالة، وبعد عاد كما بدء الثورة سلمياً، وإنتزاع السلاح الذي اشتراه بحليّ زوجته، بات ضعيفاً بخيارات أضعف وأكثر شقاء، وما إن خرجت قوافل التهجير من مدينته نحو إدلب السوري، حملت إشراقة اليوم التالي، إنقلاباً بدرجة 180، وكأن شيئاً ما قد حصل، فلا أحد يستطيع التكلم بحرية عن المهجرين، ولا عن خوف المتبقين بين جدران الصمت، أما الحديث عن الثورة فبات أعقد بكثير، ولكن رغم التهجير، وانتهاء أي تواجد عسكري ثوري في مدينته، لم يتبدل شيء في الوقائع المعيشية، بل أن مدينته ضاقت أكثر، وتحولت إلى سجن كبير، وكافة وعود المصالحات والتسويات التي أبرمها عبر لجنة المصالحة لم تعد عليه بأي ايجابي، بل إن السلاح الذي سلمه من تلقاء نفسه، هو أبرز ما تلقفته أنامله، إذ أن قوات النظام عبر ما يسمى بـ “درع العاصمة”، وهي ميليشيا محلية الإنتاج والمنتوج، طالبته بالتطوع لديها، مقابل رفع الحظر التجوال عنه، حتى يتمكن من زيارة العاصمة، وتأمين حاجيات منزله.

تردد “وليد” كثيراً في القبول أو الرفض، وكليهما علقم النتائج، وبعد تردي الأحوال الشخصية لعائلته، قام أحد زملائه بالأمس، والعنصر الحالي في “درع العاصمة” بجلب “عبوة غاز” إلى منزله، دون أن يأخذ أي مقابل مادة لها، ويخبره بأنه في حال رافقه إلى النقطة العسكرية التابعة للميليشيا، سيقوم بالتوسط له لدى القيادي، والحصول على بطاقة تطويع في الميليشيا، ودفع مبلغ 45$ دولار أمريكي كمرتب شهري أولي، وفعلاً قبل وليد بعرض زميله، وتوجه إلى النقطة العسكرية، ليعود إلى منزله ببندقية من الجيش النظامي، وجعبة وشعار للميليشيا.

هذه البطاقة، أعطت “وليد” ممراً نحو العاصمة دمشق، دون أن يتم اعتقاله، وبعد شهر من تاريخ تطويعه، تم إبلاغه بالحضور إلى النقطة العسكرية، ليتم سوقه مع زملائه إلى الغوطة الشرقية، وقتال من تخندق معهم طيلة سبع سنوات خلت، حاول “وليد” التنصل كثيراً من الخطوط الأمامية للمعارك، وحاول مراراً الهروب من مدينته نحو الشمال السوري، ولكن التهريب الآمن من العاصمة نحو الشمال يكلف ألفي دولار أمريكي، وهو لا يملك أي رقم من هذا المبلغ، ليبقى السؤال الأصعب، هل دفع “وليد” ثمن القرار الخاطئ؟ أم تم تحميله هذه النتيجة من قبل صناع القرار في مدينته؟

حسام محمد

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *