أخبار

يوم في سرفيس نسائي

نور ابراهيم

على الرغم من عدم وجود مقعد شاغر في سرفيس “جرمانا – باب توما” المتجه إلى منطقة باب توما من مدينة جرمانا، إلا أن إحدى السيدات الجالسات في المقعد الأمامي نادت لي “اطلعي أنا بقعدك جنبي”

بالفعل صعدت في الميكرو الخانق بالركاب فقد تعبت من الانتظار طويلا، كما خشيت أن أتأخر على موعدي الدنيا آخر شهر ولن أستقل سيارة اجرة وأدفع قرابة الالف وخمسمائة ليرة في هذا الوقت، وأثناء تفكيري بالتاكسي ونهاية الشهر وانتظاري للشهر القادم أيقظتني من شرودي ضحكة السيدة التي كانت سببا في إنقاذي وهي تقول للسيدة بجانبها “فكي حجابك فكيه، ما في حدا غريب نسوان على بعضنا” لتضحك كل النسوة في الميكرو الأبيض الذي تحول إلى السواد بسبب الدخان والغبار.

أجل كلنا نساء هنا لا وجود للرجال في هذا الميكرو الصغير عدا السائق الذي يبدو منشغلا بالحديث مع الفتاتين الشقراوتين اللتين تجلسان بجانبه.

خلفي تجلس أربعة نساء بمقعدين منفصلين يتحدثن في أمور القماش وخياطة الفساتين إحداهن لديها حفل لعرس ابن أخيها وليس لديها ما ترتديه لهذه المناسبة فكل الفساتين التي امتلكتها سابقا بقيت في بيتها في منطقة حرستا البيت الذي ذهب بكل ما فيه ولم تستطع هي وعائلتها إخراج حتى قطعة ملابس منه.

تنصحها أخرى بالذهاب لمحل يبيع القماش بسعر أرخص ولديه تشكيلة واسعة وأنواع مختلفة، اكتشفته بعد بحث طويل  في سوق العرائس في منطقة الحميدية، فقد صار إيجاد سعر رخيص يناسب دخل العائلات السورية امرا صعبا بعد موجة الغلاء التي اجتاحت البلاد وتراجع الليرة السورية لأدنى مستوياتها أمام العملات الصعبة.

تشاركهن السيدة في المقعد الخلفي الحديث، إنها زبونة المحل ذاته وتنصحن بخياط ماهر تعتمده هي واخواتها في مناسباتهن الاجتماعية كافة، ودون أي معرفة تربطهن تبدو الألفة سيدة الموقف، في الميكرو البارد والخانق بالراكبات.

تسأل إحداهن ماذا سنطبخ اليوم؟ وتبدأ الاقتراحات من كل حدب وصوب معكرونة مقلوبة ملوخية رز بالبازلاء وتعداد لا ينتهي من الأطباق السورية، تدير منقذتي رأسها ملتفتة إليهن “ولي على عيونكن ليه عندكن غاز لتطبخوا كل هالطبخ؟!” نوبة من الضحك تجتاح الميكرو لا وجود للغاز في هذا البلد.

يتحول الحديث الجماعي إلى أزمات البلد التي بدأت منذ قرابة شهرين والتي لم تنته بعد “مازوت ما في، غاز ما في، بنزين ما في، كهربا ما في” تضحك السيدة التي بجانب النافذة والتي اختارت الصمت طوال الطريق وتقول: ” ورجال ما في لك صرنا اتحاد نسائي” ويستمر الضحك.

تقول إحداهن: “منيح لحقنا حالنا واتجوزنا يا جماعة ولله آكلة هم بناتي عندي أربع بنات من وين بدي جبلن أربع عرسان”

ترد أختها الجالسة بقربها: “ولله كل وحدة بتقول للقمر قوم لاقعد مطرحك وكلن دارسات ومتعلمات بس يي عليي حظ ما في”.

تضيف أخرى: “من وين اجت هالحرب الي ما خلت ولا شب بهالبلد”

صمت يسود المكان، أنظر إلى وجوههن التي غابت عنها الضحكات، سرحت كل منا في عالمها الخاص وكأن حالة الضحك كانت مؤقتة كأنها لم تكن موجودة، سرحت معهن بكل شيء أيقظنا صوت السائق “باب توما آخر موقف” نزلنا من الميكرو دون ان تودع أي منا الأخرى إلا ان السيدة الضاحكة بادرت بإنقاذ الموقف كما انقذتني وقالت: ” خلونا نشوفكن، اتفضلوا لعنا أمانة يا جماعة لترد البقية: “بالفرح انشالله”.

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *