أخبار

المخترق والثورة

 

ثائر زعزوعتعرضت خلال الأيام الماضية لحدث غريب نوعاً ما، فقد استطاع أحد قراصنة الانترنت الاستيلاء على بريدي الالكتروني وصفحتي الشخصية على الفيس بوك، وطلب مني التواصل معه عبر إيميلي الشخصي للتفاوض حول شروطه من أجل إعادة حساباتي المسروقة.

وقد امتعض كثيراً حين اتهمته بالسرقة والاحتيال وقال إن ما يقوم به هو عمل محترف، ولتقريب الصورة إلى ذهني أكثر فقد قال: أنت تحترف الكتابة وأنا أحترف الاختراق، هكذا بكل بساطة صار ثمة اسم آخر للسرقة والاستيلاء على أشياء الآخرين الخاصة إنه عمل محترف يدعى الاختراق ويسمى الشخص الذي يقوم به مخترقاً، وهي التسمية التي أصر صاحبنا بأن أخاطبه بها، وهي أيضاً الصفة التي يوقع بها رسائله إلي.

السيد المخترق، طالبني بدفع مبلغ مالي لقاء عمله المبهر الذي قام به، وهددني بأن يقوم بتدمير علاقاتي وعملي إن لم أستجب لطلبه وأخضع للابتزاز الذي يمارسه عليّ. المهم أني طلبت منه ضمانات، في حال قبلت أن أدفع له، لأتأكد من أنه سيعيد حساباتي التي سرقها، أو أنه لن يقوم بمثل هذه العملية مرة أخرى مثلاً، فقال بكل بساطة إن عليّ أن أثق بكلامه، ووعدني بأن يقدم لي وثائق تدين بعض “المعارضين السوريين” وتكشف حقيقتهم للعالم، وذكر اسمين لزوجين “محروقين” أصلاً لا أريد أن أذكرهما لأنهما موضوع جانبي أمام موضوعي الأساسي، وقد أبديت حماستي حين قال لي بأنه يؤيد الثورة وأنه يتفق معي في ضرورة التغيير وإن كنا نختلف في الطريقة وقال أيضاً إنه قرأ مقالاتي وهو معجب بما أكتبه.

الحقيقة حاولت عبر بعض الأصدقاء الوصول إلى حساباتي المسروقة، واستعادتها، لكن دون جدوى، الأمر صعب نوعاً ما لأن المخترق كان يبدو محترفاً فعلاً، ولأني كنت ساذجاً بعض الشيء و نسيت الكثير من التفاصيل التي طلبتها مني إدارة الياهو وإدارة الفيس بوك لإثبات ملكيتي، فالحسابان قديمان، ولم يخطر ببالي أبداً أن أجد نفسي في مثل هذا الموقف.

لن أحاول التظاهر بأن هذه الحادثة، على الرغم من بساطتها في نظر الكثيرين، إلا أنها شكلت لي نوعاً من القلق والتوتر الذي اعتراني على مدى أسبوعين تقريباً، شاركني الكثير من الأصدقاء توتري، وحاولوا التخفيف عني، ثمة من قال لي إن علي الخضوع للابتزاز ودفع المبلغ المطلوب، كي لا أظل في هذه الحيرة، لكن هل يمكن الخضوع للابتزاز بهذه السهولة؟ وهل يمكن أن تتحول أسرارنا إلى كتاب مفتوح يطلع عليه من يشاء وقتما يشاء؟ ثم ما أدراني أصلاً أن كل ما نكتبه على أنه أسرار أو رسائل خاصة أو صور خاصة لا يتم تداوله من قبل إدارة الشركات التي منحتنا مواقع التواصل الاجتماعي والبريد الالكتروني؟ هذه كلها أسئلة طرحتها على نفسي وأنا أتخذ قراري بأن أمضي في طريقي وأستغني عن صفحتي على الفيس بوك، لقد فقدت عالماً واقعياً وأشخاصاً من لحم ودم، وشوارع وحارات، ودمر القصف والبراميل المتفجرة كل شيء ولم يبق لنا ذاكرة نلجأ إليها، فما جدوى التمسك بعالم افتراضي في النهاية؟

ولمعت في ذهني سوريا وهذه المرة أجهزتها الأمنية تحديداً، والتي كانت تتجسس على كل صغيرة وكبيرة، وتحسب علينا أنفاسنا، وتلاحقنا في أفراحنا وأحزاننا، بل وتحدد لنا أصدقاءنا وأقاربنا، هكذا تبدو الحالة تماماً، شخص ما يراقبك من الداخل دون أن تمتلك الوسيلة لإيقافه لأنه يبتزك مرة باسم الوطن، ومرة باسم الدفاع عن الوطن، ومرات كثيرة باسم أمن الوطن، هذه المرة كان الابتزاز أبسط احتراف اللصوصية، على أنها مهنة يعتاش منها شخص، تصوروا، سارق يتفاخر بأن هذا عمله، ويخبرني بين السطور أنه يؤيد الثورة… أي ثورة؟ وهل يمكن أن يصنع اللصوص وقطاع الطرق والقراصنة ثورة؟ الإيمان بالثورة فعل أخلاقي لا يقبل الجدل ولا تبرر الغاية فيه الوسيلة، أنا لم أستسلم له، ولم أسلم أسلحتي هكذا فكرت بصوت مرتفع… لم أخضع لابتزازه لأني لم أخضع لابتزاز السلطة، كانت أيام وساعات الاعتقال مخيفة، كانت ابتزازاً مرعباً لكل ما هو إنساني، لكنها لم تجعلني أقف مع القاتل، ولن أقف مع اللص.

ثائر الزعزوع … كاتب واعلامي سوري 

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *