داهود
الكتاب السوري ممدوح حمادة
داهود في بداية حياته كان بعثيا، لأنه لم يكن هناك شبيبة ثورة ايامه، وقد كان بعثيا متحمسا وليس ايا كان، لكنك إذا سألته : من هو ميشيل عفلق وأكرم الحوراني يقول لك من باب المداعبة:
– “إحكي معنا عربي خيو.. نحنا ما نفهم انلكيزي”.
داهود بكل بساطة كان بعثيا لأن ابن عمه هايل كان عضو قيادة فرقة بالقرية.
بعد ذلك التحق هايل بخدمة العلم، والتقى هناك برفيق سلاح اسمه منصور أعطاه كتابا عنوانه ” البقسماط الأسود” هايل بعد أن قرأ الكتاب صار شيوعيا، بالمختصر دخل الخدمة الاجبارية بعثيا ودخل الخدمة الاحتياطية شيوعيا، ولأن الفرقة الحزبية التي كان هايل عضو قيادتها في القرية التي كل سكانها إما أعمامه وإما أخواله، فقد اكتفى الرفاق بالبصق في شوارب هايل وفصلوه من الحزب بعد ما لفقوا له بالاتفاق معه تهمة سرقة خمسمية ليرة من دكان “الغجري”، لكي لا تتهمه المخابرات بازدواجية التنظيم بعد أن يعلموا أنه صار شيوعيا، وهي تهمة مدمرة لمن توجه إليه يجمعها شبه كبير بتهمة الخيانة العظمى، داهود الذي يسير على خطى هايل في كل شيء، ايضا بُصق في شاربيه وفُصل من الحزب بعد تلفيق تهمة مشابهة، وصار شيوعيا، مع أنه إذا سألته من يكون لينين أو من يكون ماركس يقول لك:
– إحكي معنا عربي خيو.. هل تظنني المانيا؟
نقاشات حامية الوطيس دارت بين هايل ومجموعة طلاب جامعة كانوا يستأجرون غرفة في المنزل الذي سكن فيه في الطبالة عندما عمل في دمشق، كلها كانت حول انتهازية الحزب الشيوعي، بعد هذه النقاشات علم هايل بوجود منظمة اسمها رابطة العمل، هي ايضا شيوعية ولكن أكثر من الحزب، ولم يلبث ان اصبح واحدا من أعضائها، وعندما اعتقل الطلاب ذات فجر وكانت الشكوك لا تزال بعيدة عنه عاد إلى القرية مختفيا عن الأنظار وما هي الا عصرية حتى صار داهود من الرابطة، ثم سجن الاثنان حوالي عشر سنين تقريبا، داهود خرج بعدها من السجن وهو لا يزال منتميا للرابطة، أما هايل فقد خرج من هناك وقد اصبح من الإخوان، لأن مهجعه كله كان من الإخوان، داهود الذي كان قد افرج عنه قبل ايام من الافراج عن هايل ذهب ليبارك لرفيقه هايل بالحرية، شرب عنده الشاي وبارك له وخرج من عنده وقد أصبح من الإخوان، مع انه اذا سألته من يكون البنا يقول لك:
– إحكي معنا عربي خيو.. هل تظنني اعلم الغيب؟
بعد ستة أشهر تقريبا سمع داهود ان هايل عاد من سفرته الأخيرة سلفيا فتوجه إلى منزله فورا وعيونه تقدح شررا وبعد ما شرب كأس الشاي قال له:
– الك ولا للديب ابن عمي؟
– خسا الديب..
قال هايل واضاف بالفصحى تحسبا
– ان شاء الله.. وقدرنا على ذلك.
فقال داهود
– داخل على عرضك.. رسالك على بر يا ابن عمي.
وانفجرت الدموع من عينيه وتابع وهو يمسح تلك الدموع:
– خلينا نعرف على ايا مخدة بدنا نحط راسنا يا ابن عمي.