أخبار

أين الوطنية فينا؟

مظاهرات بالآلاف تجوب الشوارع كل جمعة، تضامن من الجنوب للشمال حتى الشرق من سوريا، الجميع يهتف لهدف واحد، الناس تتوافد للساحات، تجتمع وتطلق نداءاتها الهاتفة بنيل الحرية والكرامة وإسقاط النظام، هناك توحّد ما يلاحظه أي إنسان بسيط ذاك الوقت، لم نكن نعرف فصيل فلان ولواء علان، كان الهتاف واحد “الجيش الحر الله يحميك”.

كان الحماس يشدّنا لأن نعطي كل ما في وسعنا كي تنتصر الثورة وتسمو قيم العدالة والديمقراطية والحرية بين أطياف السوريين، وكلما كان النظام يشدد قبضته الأمنية ويعتقل المتظاهرين ويلاحقهم من منزل لمنزل كلما زاد الإصرار أكثر فأكثر على إسقاطه.

كانت تصدح المدن لبعضها، كل منها تحيي الأخرى بصمودها، تعبر التحيات من درعا والسويداء نحو دمشق في الجنوب إلى حمص وحماة فإدلب واللاذقية حتى حلب باتجاه الرقة نحو دير الزور وإلى الحسكة أقصى الشرق.

أكثر اللحظات التي تفاءلت بنتائجها كانت ببداية تحرير المدن السورية، الأهالي ذاك الوقت كانوا يديرون هذه المدن بأنفسهم، لا يحتاجون لا لبرلمان ولا لمجلس ثوري ولا لفصيل عسكري، كل حيّ يحرسه أهله.

بدأت الأمور تأخذ منحىً تنظيمياً أكثر، اجتمع وجهاء المناطق بكل مدينة عقب تحريرها، أصبح النقاش يدور حول إدارة المناطق، تشكلت أحزاب بسيطة على مستوى المدن، أصبح لهم صوت في المجالس المحلية عقب تشكيلها، شارك الكبير والصغير بها، إلى وقت تدخلت الفصائل العسكرية وحكمت المدن.

نتذكر كثيراً المقولة المتداولة والتي يوجهها المدنيون إلى من يحمل السلاح في المدن، كانوا يقولون لهم “تلك هي الجبهات، لماذا أنت هنا؟”.

لم تمض فترة طويلة حتى أصبح هناك فصائل عسكرية تحمل شعارات وأعلام خاصة بها، حتى أهدافها مغايرة لما صدحت به حناجر الثوار.

خارج سوريا كانت تُجهز الأمور لتشكيل جسم سياسي بدأ بالمجلس الوطني وانتهى بالائتلاف، الذي لم يبقى أحد إلا وشتمه والسبب أنها لم تقدم للشعب السوري ما يريد وكأن الأمور تأتي بكبسة زر!.

التخوين الذي طال الجهات السياسية التي تأسست خارج سوريا كان يأتي من فصائل معينة تقوم بضخ السموم في عقول من ينضم لها لغايات سياسية خاصة بها.

انتقلنا بالنهاية من هدف واحد وهو إسقاط النظام إلى أهداف كثيرة، وأصبحت المعارك تدور على أساس سني وشيعي، هذا ما كان يحاول النظام تفعيله عن طريق إدخال الميليشيات الشيعية لسوريا للمشاركة بالقتال ونجح للأسف بذلك.

وأدت المشاريع الوطنية التي حاولت ببادئ الأمر أن تشكل هوية سياسية تمثل الشعب فعلاً، أصبحت الكلمة لفصائل معينة لها ثقلها على الأرض.

في المقابل بدأت الاتهامات تدور على هذا وذاك، فالأول حرامي والثاني محتال والثالث متآمر والرابع يتقاضى راتباً يطعم مئة أسرة فقيرة…الخ.

في النهاية غاب المشروع الوطني عن خاطر البعض بعد ظهور أهداف جديدة تمثلها أحزاب سياسية وأخرى منبثقة عن فصائل عسكرية، غاب وغابت معه أحزاب صغيرة حديثة النشأة لم ترى النور بسبب عوائق كثيرة.

*فراس العلي  – كاتب سوري

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *