أخبار

“تحرير الشام” في إدلب عملاق اقتصادي يبتلع قدرات المنطقة

خاص – إدلب

لم تتوقف الانتهاكات التي تقوم بها “هيئة تحرير الشام” في المناطق التي تسيطر عليها شمال غرب سوريا في الجانب العسكري بمهاجمة الفصائل والاعتقالات وغيرها، بل طال الأمر الجانب الاقتصادي حيث تغولت على المصادر المدرة للمال في المنطقة ووضعت يدها على كل شيء.

وتمكنت “تحرير الشام” التي غدت القطب الأوحد في محافظة إدلب عقب القضاء على مراكز القوة داخل “حركة أحرار الشام” في العام 2017، ثم الانتهاء تماما من “حركة نور الدين الزنكي” في العام 2019، من احتكار معظم الموارد الاقتصادية المتاحة، وضخ أموال ضخمة لمنافسة مستثمرين أصغر منها، وطردهم من السوق، في مجالات عدة وهي: المحروقات، المطاعم، المنتزهات، المولات التجارية، مقالع الحجر، التجارة الخارجية، وسواها، ما جعلها التاجر الأول والصناعي الأول والمستورد الأول في المنطقة.

أخبار ذات صلة: لجنة أممية تتهم السلطة السورية وروسيا وتحرير الشام بارتكاب جرائم حرب

البداية من باب الهوى

صيف العام 2017 تمكنت “تحرير الشام” من السيطرة على معبر “باب الهوى” الحدودي مع تركيا شمال إدلب، وذلك بعد معركة حاسمة طردت خلالها “أحرار الشام” من معظم المواقع العسكرية والإدارية في إدلب، وتشكلت حينها “الإدارة العامة للمعابر” التابعة لها، وباتت هذه المؤسسة المسؤول المباشر عن إدارة المعابر.

وشكّل استحواذ “تحرير الشام” على المعابر فرصة لها لتستثمر في مجالات متعددة مثل المحروقات والتجارة الخارجية، سواء مع تركيا أو مع مناطق سيطرة السلطة السورية، إذ تضع يدها على كافة المعابر في المناطق التي تسيطر عليها.

“تحرير الشام” تضيع يدها على المحروقات

كانت الخطوة التالية لـ”تحرير الشام” بعد السيطرة على المعابر، تأسيس شركة “وتد للبترول”، التي تم الإعلان عنها عقب القضاء على “حركة نور الدين الزنكي” واستلام الهيئة معبر دارة عزة – الغزاوية الذي يصل بين إدلب وريف حلب الشمالي، الخاضع لنفوذ “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا.

واستحوذت “وتد للبترول”، في المقام الأول، على تجارة المحروقات المستوردة، عبر توقيع عقد مع شركة تركية لتوريد الغاز والبنزين والديزل من تركيا نحو إدلب، وسرعان ما فرضت قيودا على تجارة المحروقات المكررة بدائيا أيضا، والقادمة من مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) شرقي الفرات وصولا إلى ريف حلب الشمالي الذي يعتبر صلة الوصل بين إدلب وشرقي الفرات عبر معبر دارة عزة.

شاهد: المتحدث باسم الزنكي: تحرير الشام تهاجمنا


استثمارات بالملايين

مكّنت الأموال الضخمة التي تمتلكها “تحرير الشام” من دخولها السوق بقوة وإزاحتها معظم التجار والمستثمرين السابقين، حيث استطاعت في مدينة إدلب على سبيل المثال، افتتاح عدد من المطاعم المجهزة جيدا، في وقت قياسي، وشهدت هذه المطاعم إقبالا كبيرا من السكان لأنها تختلف عن باقي مطاعم المدينة في أناقتها واتساعها.
بينما دفعت “الهيئة” بالعديد من الأشخاص الموالين لها للاستثمار في مجال توريد البضائع من تركيا، فقد حصرت كل مجال تجاري معين بشخص أو أكثر من الموالين لها، لذلك يصعب على التجار غير الموالين، تحقيق أرباح من تجارة الأسماك أو الفروج أو الغذائيات.

واستثمرت الهيئة أيضا في مجال مقالع الحجر حيث تمتلك مجموعة من الآليات تعمل في الجبال غربي إدلب، ومؤخرا دخلت عالم الاتصالات من خلال السيطرة على الكابل الضوئي الذي يغذي إدلب بشبكة الإنترنت من تركيا، ثم إطلاق شركات اتصالات مزودة بأبراج قامت بتوزيعها على مختلف القرى والمدن في المنطقة.

وفي آذار/مارس الماضي أعلنت المؤسسة العامة للكهرباء التابعة لـ”تحرير الشام” عن توقيع عقد مع شركة تركية لاستجرار الكهرباء التركية نحو إدلب.

كما أمضت “المؤسسة العامة لإدارة النقد” التابعة لـ”تحرير الشام”، معظم العام 2020 في “تتريك” العملة المتداولة في إدلب، والاستحواذ على قطاع المال والصرافة في المنطقة من خلال قانون ترخيص الشركات المالية، الذي جعل من الهيئة عملاقا ماليا لا يقارن بباقي رجال الأعمال الصغار والكبار.

شاهد: أسعار المحروقات في إدلب ودور شركة وتد

ضرائب على المدنيين لجمع الأموال

بعد سيطرة “تحرير الشام” على مناطق واسعة في الشمال السوري عملت عن طريق ذراعها المدني وهي “حكومة الإنقاذ” على فرض ضرائب متواصلة على المدنيين في إدلب، الأمر الذي زاد من معاناتهم المعيشية في ظل البطالة والفقر الذي يعاني قسم كبير من أهالي الشمال السوري.

وفرضت  ضرائب على زيت الزيتون الذي يعد المدخول الرئيسي للمدنيين في ريف إدلب بحجة تحصيل الزكاة من خلال وضع عناصر لهم على أبواب المعاصر ترغم الأهالي على تسليمهم الحصة المطلوبة من زيت الزيتون، حيث هددت من لا يدفع بالاعتقال ومصادرة الزيت.

ولا تقتصر الضرائب على زيت الزيتون؛ إنما انتقلت إلى فرض ضرائب على السيارات من خلال إرغام أصحاب السيارات على تسجيل سيارتهم في وزارة النقل التابعة لحكومة الإنقاذ، حيث قامت بجني أموال طائلة من هذا الأمر بعد حجز أي آلية لا تقوم بتسجيل أوراقها في النقل.

محمد أبو عمر (اسم مستعار) وهو صاحب إحدى المعاصر من ريف إدلب الجنوبي قال لموقع “أنا إنسان”: “مع بداية افتتاح المعصرة شهدنا وجوداً لعناصر الهيئة العامة للزكاة، تطبيقاً لقرار جمع زكاة الزيتون، حيث يجمع العناصر حصتهم بالقوة تحت طائلة المحاسبة الأمنية من قبل عناصر تحرير الشام، وخلافاً لما جاء في القرار الصادر عن هيئة الزكاة يجمع العناصر الزكاة دون تحقيق النصاب كما جاء في القرار، ففي معاصر الزيتون يحصل جباة الزكاة على نسبة ثابتة وهي 5%، سواءً حققت النصاب أم لم تحققه”.

وأضاف: “عناصر الهيئة لا يميزون بين فقير لا يملك سوى بعض الشجرات وآخر لديه مئات الأشجار، وتؤخذ الزكاة على أي كمية كانت، ففي معاصر أرمناز حصل الجابي من أحد الأشخاص على 15 كيلو غرام زيت، كما أن أحد الجباة لم يأخذ حصة الزكاة من شخص آخر خرج له 13 كغ من الزيت فتم إعفاء الجابي من عمله بعد أن أخبر زميله المسؤولين بأنه يتساهل مع البعض”.

شاهد: مظاهرات حاشدة في إدلب رفضا لممارسات “تحرير الشام”

ضرائب تهريب

وتقوم حواجز “تحرير الشام” بفرض ضرائب على تهريب السكان إلى تركيا من خلال فرض مبلغ 50 دولار أمريكي على المهربين عن كل شخص يتم إدخاله عن طريق الحدود، حيث تجني “الهيئة” ما يقارب مليون دولار شهرياً من عمليات التهريب، في حين تجنبي ما يقارب 7 مليون دولار من عائدات معبر باب الهوى الحدودي بشكل شهري، بحسب ناشطين.

عبدالله أبو محمد (اسم مستعار) أحد المهربين من ريف إدلب الشمالي يقومون بتهريب العائلات من منطقة أطمه باتجاه الأراضي التركية قال لموقع “أنا إنسان”: “أي عائلة تريد الدخول إلى الأراضي التركية تقوم بقطع وصل عن المكتب الاقتصادي التابع لتحرير الشام مقابل 50 دولاراً عن كل فرد، حيث يفرض المكتب على المهربين هذا المبلغ حيث أن أي مهرب لا يقوم بدفع المبلغ يتم اعتقاله من قبل الحواجز التابعة للهيئة المنتشرة على الحدود السورية التركية”.

وأضاف: “نقوم بتهريب العائلات مقابل 1700 دولاراً لكل فرد وذلك عن طريق أذن الضابط التركي دون تعرضهم لإطلاق النار من قبل الجندرما التركية، ورغم ذلك نتعرض للمضايقات من قبل حواجز تحرير الشام من أجل تحصيل مبالغ أكبر لقاء تهريب المدنيين، حيث باتوا يطالبوننا مؤخراً بدفع 100 دولاراً عن كل فرد يتم تهريبه”.

ويذكر بأن عشرات المظاهرات خرجت في الشمال السوري تندد بتصرفات “تحرير الشام” في المحافظة من خلال فرضها ضرائب على المدنيين دون تقديم أدنى الخدمات للقرى والبلدات، بالإضافة إلى عدم تأمين مأوى للنازحين الهاربين، ووضع يدها على اقتصاد المنطقة.

تابعنا على الفيسبوك : أنا إنسان

تابعنا على يوتيوب : أنا إنسان youtube

حسابنا على تويتر : أنا قصة إنسان 

مجموعتنا على الفيسبوك : أنا إنسان

 

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *